ولا تسكروا بالخمر الذي فيه الخلاعة،
بل امتلئوا بالروح ( أف 5: 18 )
بمجرد الإيمان، يسكن الروح القدس في المؤمن، وأما الامتلاء بالروح القدس فيتطلب من الشخص، التكريس، بالإضافة إلى الإيمان.
عندما يُختم المؤمن بالروح القدس، فإن المؤمن يمتلك الروح القدس.
ولكن عند امتلاء المؤمن بالروح القدس، فإن الروح القدس هو الذي يمتلك المؤمن.
وليس معنى الملء بالروح، كما يتبادر إلى أذهان البعض، أن آخذ كمية أكبر من الروح القدس، هذا ليس صحيحًا.
فالروح القدس أقنوم إلهي، وبالتالي، فإنه لا يُعطى بكيل. لكن المشكلة أن إنائي (قلبي)، في أوقات كثيرة، لا يكون فارغًا، بل يكون مملوءًا بأشياء أخرى، وبالتالي، فإن الروح القدس لا يملؤه تمامًا.
حين آمنت، سكن فيَّ الروح القدس، لكني أختبر الملء عندما لا يملك على قلبي شخص آخر، أو شيء آخر.
عندما لا يكون في القلب أي جزء لا يملك عليه الروح القدس، مُستحضرًا إليه المسيح، عندئذٍ أكون ممتلئًا من الروح القدس.
وعليه فالامتلاء بالروح ليس أننا نأخذ المزيد من الروح القدس، بل أنه هو الذي يأخذ المزيد منا. ويظل يمتلك أكثر فأكثر ليملأ كياننا بالمسيح.
ولقد كان المسيح ممتلئًا من الروح القدس، وكان دائمًا هكذا. كان ممتلئًا منه وهو يأكل، وهو يشرب، وهو يوبخ المدن، وهو يبكي عند قبر لعازر.
وهكذا يستطيع المؤمن أن يكون ممتلئًا من الروح القدس وهو ذاهب إلى عمله، أو وهو في البيت، أو وهو يمارس أموره العادية، وذلك إذا كان كل مشغولية فكره هو المسيح.
هذه هي الحياة التي تُسمى بالحقيقة حياة. قال المسيح: «أما أنا، فقد أتيت لتكون لهم حياة، وليكون لهم أفضل» ( يو 10: 10 ).
والحياة الأفضل، أو الحياة الفائضة، هي حياة الملء بالروح القدس.
والامتلاء من الروح القدس، ليس هو ـ كما يظن البعض ـ صُنع القوات والعجائب. قيل عن يوحنا المعمدان إنه «من بطن أمه يمتلئ من الروح القدس» ( لو 1: 15 )، وقيل أيضًا عن هذا الممتلئ من بطن أمه من الروح القدس، إنه «لم يفعل آية واحدة» ( يو 10: 41 ).
من الجانب الآخر، كان مؤمنو كورنثوس يتكلمون بألسنة، ويعملون القوات، لكنهم لم يكونوا مُمتلئين من الروح القدس، ولم يكونوا روحيين.
عمل الروح القدس في الفرد
إذ آمنتم خُتمتم بروح الموعد القدوس الذي هو عربون ميراثنا لفداء المقتنى ( أف 1: 13 ،14)
يعلن الكتاب بوضوح أن الإيمان بالمسيح يؤدي مباشرة إلى سُكنى الروح القدس ( 1كو 12: 2 ؛ رو8: 9،15). والله، بالروح القدس، يحيا ويعمل في كل مؤمن.
قد وعد الرب تلاميذه قبل أن يتركهم بأنه سيرسل لهم معزياً آخر ليمكث معهم إلى الأبد ( يو 14: 16 ، 26، 15: 26، 16: 7).
ويجب أن نوضح أمرين: "معزي". الكلمة هنا تعني حرفياً (شخص يذهب إلى آخر لإعانته). و"آخر" هذه الكلمة تعني (آخر من نفس النوع) وليس مختلفاً.
عندما كان الرب يسوع بجانب تلاميذه، كان يعينهم وهو يَعِد هنا أن الروح القدس سيقوم بنفس العمل لنا اليوم. الروح القدس هو العامل في الولادة الثانية ( يو 3: 5 -8)، وسُكناه في كل مؤمن يختم المؤمن لله.
وهكذا فإن كل مؤمن يحمل علامة إفرازه لله، كما يؤكد الختم الملكي على وثيقة ما أنها وثيقة الملك. وينشئ الروح القدس داخل كل مؤمن الإحساس بأنه ابن لله، فيمكننا في تمام فرح العلاقة العائلية أن نهتف "يا أبا الآب" ( رو 8: 14 -16).
وبينما يُعلن الروح القدس، المسيح للمؤمن ( يو 16: 13 ،14)، فهو يفتح له كل كنوز الله المذخرة لنا في المسيح، وهى ليست الآن لكن في الأبدية أيضاً. فالروح القدس هو عربون ميراثنا ( 2كو 1: 22 ؛ 5: 5؛ أف1: 14).
يتجه الكثيرون منا لله في أوقات الأزمات العصيبة، لكننا لا نقدر أن نعبِّر عن عُمق احتياجنا، فيقوم الروح القدس بتقديم الاحتياجات لله شافعاً فينا ( رو 8: 27 ). ويجب أن يكون عمل الروح القدس ظاهراً في كل مؤمن ( غل 5: 22 ،23).
لقد ظهر ثمر الروح - المحبة، والفرح، والسلام، طول الأناة، اللطف، الصلاح، الإيمان، الوداعة، والتعفف - ظهرت كاملة في المسيح.
هل الله يعمل فيَّ بالروح القدس ليجعلني أكثر شبهاً بالمسيح؟
يا له من سؤال! لا نجد أبداً الكتاب يتكلم عن الملء بالروح كبركة ثانية، لكن الملء بالروح هو من خصائص السلوك المسيحي ( أع 2: 4 ؛ 4: 8؛ 31، 13: 9؛ أف5: 18). إذا كان لدينا وعاء ممتلئ إلى نصفه بالحجارة، فعلينا أن نفرغه منها أولاً إن كنا نريد أن نملأه تماماً بالماء.
كم نحتاج إلى مزيد من الحرص لأنه بالكلام الرديء والمرارة والخبث، نحن نُعيق ونُحزن الروح القدس ( أف 4: 29 -31)، وقد نُطفئ الروح أيضاً ( 1تس 5: 19 ).
الروح يُعين ضعفاتنا
وكذلك الروح أيضًا يعين ضعفاتنا، لأننا لسنا نعلم ما نصلي لأجله كما ينبغي ( رو 8: 26 )
نلاحظ أن الرسول لا يقول إن الروح القدس يلاشي ضعفاتنا، بل إنه يعيننا ونحن في هذه الحالة.
والضعف المقصود في العبارة «يُعين ضعفاتنا» قد يعني الضعف الناتج عن الجهل، وهذا واضح من قول الرسول: «الروح أيضًا يُعين ضعفاتنا، لأننا لسنا نعلم ما نصلي لأجله كما ينبغي».
فنحن نعلم فقط بعض العلم، لا العلم كله. ولذلك، فإننا في أحيان كثيرة لا نعلم ما هو الأفضل، سواء بالنسبة لنا، أو للآخرين، أو لمجد الرب. أحيانًا كثيرة نُشبه المريض الذي يذهب إلى الطبيب، لا لكي يطلب منه أن يكتب له علاجًا معينًا، فهو لا يعلم نوع المرض الذي عنده، ولا نوع العلاج الذي يحتاجه. لكن الرسول بولس يطمئن قلوبنا، فالروح القدس يُعين ضعفنا في هذا الأمر.
وقد يكون الضعف الذي يعيننا الروح القدس فيه، هو الضعف الإنساني الناتج عن هشاشة أوانينا الخزفية، نظرًا لعدم فداء أجسادنا بعد.
وقد يكون هو الضعف البشري الناتج عن ضغط الظروف. فعندما يكون المؤمن منحنيًا من وطأة التجارب المُحرقة والظروف الصعبة، بل وعندما تصل الحال بالمؤمن إلى الاكتئاب نتيجة ضغط الشر حوله أو في داخله.
وعندما يصل إلى نهايته، ويكون على وشك اليأس والاستسلام، فإن الروح القدس يقيله من تلك الحالة، لأن الروح يُعين ضعفاتنا.
وعندما نصلي، وتبدو كأن السماء نحاس، والله لا يسمع، فإن الروح القدس يعطينا أن نتمسك بالرب بكل قوة، قائلين له كما قال يعقوب قديمًا: «لا أطلقك إن لم تباركني» ( تك 32: 26 ).
وقد يمكننا أن نضيف إلى الضعف المقصود هنا، شعورنا أيضًا بعدم الأهلية، وعدم الاستحقاق. في هذه الحالات كلها لنا الوعد الكريم أن «الروح أيضًا يعين ضعفاتنا».
فإذا كنا ضعفاء، عاجزين حتى عن رفع الصلاة، أو غير قادرين على رفعها كما ينبغي، أو لا نعلم كيف نصلي، ولا ماذا يجب أن نطلب، وإذا كان يغمرنا الشعور بعدم المعرفة، أو عدم الاستحقاق، فإن في هذا كله لنا أن نتمتع بشفاعة الروح القدس فينا.
يرتبط بما سبق أن واحدًا من أسماء الروح القدس هو «المعزي»، وباليوناني "باراكليتوس"، وتعني حرفيًا "الواقف إلى جوارنا ليعضدنا ويؤازرنا ويسندنا" ( أف 3: 16 ؛ رو15: 13؛ في1: 19).
زيت الابتهاج
وأما ثمر الروح فهو ... فرح (أو ابتهاج)
( غل 5: 22 )
الابتهاج اختبار شخصي. فنحن قد نفرح مع الفرحين لكننا لا نفرح نيابة عنهم. وقديماً قال صاحب الأمثال: "القلب يعرف مرارة نفسه، وبفرحه لا يشاركه غريب" ( أم 14: 10 ).
ونحن لا يقدر أحد أن ينزع منا الفرح الذي يمنحه لنا المسيح. ومن الخير أن نذكر أنه من الممكن ـ ونحن نجتاز عالماً من الضيق كالذي نعيش فيه ـ أن يتحول حزننا إلى فرح بواسطة الكيمياء الإلهية.
فبإشارة من الرب يسوع الذي لا يعرفه العالم تصبح دموع آلامنا خمراً جيدة تُفرح قلوبنا.
إن ثمر وجود الروح داخلنا: فرح. ونتعلم من هذا أن الروح القدس بنشاطه الصامت في قلوبنا يولِّد فيها إحساساً غامراً بالفرح الصحيح الذي لا يستمد مقوماته من أسباب عالمية أو طبيعية.
وشكراً لله فإن هذه العطية ممنوحة لنا في كيل فائض. ولذلك فإن كؤوسنا ريا بواسطة الروح القدس. ومن هنا قيل عن التلاميذ في بكور تاريخ الكنيسة أنهم امتلأوا من الفرح والروح القدس ( أع 13: 52 ).
إن المسيح المرتفع ممسوح الآن بزيت الابتهاج أكثر من رفقائه ( عب 1: 9 ).
لقد صُلب مرة، لكن الله، بالقيامة والصعود، عرَّفه سبيل الحياة، وملأه سروراً مع وجهه ( مز 16: 11 ؛ أع2: 28). ومن هنا فإن ثمر الروح القدس الذي انسكب يوم الخمسين هو فرح.
وهذا الفرح هو سماوي طبيعة ونشأة. وعمل الروح القدس فينا هو أن يملأ القلب بفرح الرب. ومن حقنا أن نخصص لأنفسنا لغة المرنم: "مسحت بالدهن رأسي، كأسي ريا".
فهل هذه الوفرة من الفرح اختبارنا جميعاً؟ وإلا، فما السبب؟ هل أعمال الجسد تعطل فينا ثمر الروح؟ هوذا الرسول يصلي من أجل القديسين في رومية أن "يملأهم إله الرجاء كل سرور وسلام في الإيمان ليزدادوا في الرجاء بقوة الروح القدس" ( رو 15: 13 ).
وقال الرب يسوع "كلمتكم بهذا لكي يثبت فرحي فيكم ويكمل فرحكم".
إن المسيح نفسه هو مصدر هذا الفرح، والروح يهدينا إليه فنبتهج بفرح لا يُنطق به ومجيد.
فإن الرب يمنحنا من فرحه. لقد كان موضوعاً أمامه سرور. وعطيته الموعودة يصفها بفمه الكريم "يثبت فرحي فيكم" ( يو 15: 11 ).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق